وبرزت تقنية صبغ الشوارع باللون الأبيض أو الأحمر والأزرق كأحد الحلول الواعدة لتخفيف حدة الحرارة، وذلك لقدرة هذا اللون على عكس أشعة الشمس بدلاً من امتصاصها، ما يُساهم في خفض درجة حرارة سطح الطريق وبالتالي خفض حرارة الهواء المحيط.
ويؤيد بعض المهندسين هذه الاستراتيجية، مشيرين إلى قدرتها على عكس أشعة الشمس وتخفيض حرارة سطح الطريق. في المقابل، فيما يُبدي بعض المواطنين مخاوفهم من التأثيرات البيئية لصبغ الشوارع بالألوان.
وقال المهندس الاستشاري زميل معهد المحكمين البريطاني نبيل محمد عباس: “من الواضح أن مشكلتنا في تغير المناخ وحماية البيئة أصبحت مشكلة هائلة ويجب التعامل معها بشكل علمي دون تأخير لأن أي تأخير سوف يكون فيه تفاقم للمشكلة وزيادة التغير المناخي السلبي والتأثير سلباً على حماية البيئة”.
دراسات مشتركة
أضاف عباس: “من المعروف أن مادة الأسفلت تمتص حرارة الشمس نهاراً، هناك دراسة أمريكية قامت بها جهات في الولايات المتحدة حيث قاموا بدهان بعض طرق المدن مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وفينكس باللون الأبيض، وأيضاً قامت اليابان بتجربة التقنية وجربتها أيضاً مدينة أديلاند في أستراليا ومدينة أشبيلية في إسبانيا”.
وتابع “المملكة العربية السعودية أجرت دراسات مشتركة بين الهيئة العامة للطرق ووزارة الشؤون البلدية والقروية وطبقت هذه الأفكار والتقنيات في مناطق المشاعر المقدسة للتخفيف من الأثر البيئي لتغير المناخ ولزيادة حماية البيئة وحماية الحجاج”.
وأوضح زميل معهد المحكمين البريطاني أن التقنية هي محاولة لتبريد الأسطح الأسفلتية التي تخترق المدن وتؤثر سلباً على المناخ وكانت نتائج بعض المحاولات تخفيض الحرارة بحوالي اثني عشر درجة مئوية مع تحسين جودة الهواء وتقليل تكون الضباب الدخاني وتقليل ملوثات الهواء الأخرى، وأيضاً ظهرت بعض الإيجابيات من تقليل التلوث بالضوضاء نتيجة قلة احتكاك إطارات السيارات بالطريق بعد دهانه باللون الأبيض حيث يعزله عن الأسفلت الذي يصدر أصوات ضوضاء كثيرة نتيجة حركة السيارات عليه.
توفير الطاقة
تابع “من الفوائد أيضاً توفير الطاقة وتقليل الحاجة للتكييف في المباني الملاصقة للطرق المعالجة بالدهان الأبيض وأيضاً تقليل انبعاثات غازات الإحتباس الحراري، ووجدنا من إيجابيات التجربة أن الأسفلت الأبيض كما يسمى عمره أطول من الأسود ويحسن السلامة على الطرق بزيادة مساحة الرؤية وتقليل وهج الشمس بالنسبة لقائد السيارة ما ينعكس على زيادة راحته وزيادة السلامة على الطرق”.
وقال “لأن الأسفلت الأسود معتاد استخدامه داخل المدن يمتص ما بين 80 إلى 95% من أشعة الشمس الساقطة عليه، ما يتسبب في تسخين الهواء المحيط وأن هناك عامل اسمه البياض Albedo هو عامل يستخدم في قياس الجزء من أشعة الشمس الذي يعكسه أي جسم ويتراوح فقط من 0 إلى 1 وهذا المعيار يحاول دراسته بشكل علمي حتى تعكس الإشعاع ذو الموجة القصيرة إلى خارج الغلاف الجوي”.
وأضاف: “من الأفكار الحديثة للاستفادة من الطريقة في تخفيض درجات الحرارة داخل المدن يمكننا استخدام مواد حديثة بدلاً من المواد المستخدمة حالياً منها مثلاً الدهان بالمادة البيضاء، ومنها إضافة طبقات عاكسة ومانعة للنفاذية وعمل خلطات معدلة لتغطية الأسطح بمواد مسامية، ويمكننا أيضاً أن نستخدم مواد رصف مثل البحص العاكس ومنه الكوارتس ومنه الحجر الجيري ومنه الجرانيت ومنه صمغ الأشجار وأيضاً الأسمنت الأبيض”.
واستشهد عباس بدراسة ظهرت عام 2007م قائًلًا: “إن الدراسة تقدر أن زيادة الألبيدو وهو البياض من 35 إلى 40% يمكنها من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يوازي قيمة 400 بليون دولار، ومن التجارب الحديثة في هذا الموضوع تجهيز أسطح الإسفلت الحالي ومعالجة التشققات فيها قبل دهانها بالأبيض لأن عدم معالجة التشققات سيجعلها تظهر حتى بعد دهانها بالأبيض كما ظهر استخدام المواد المبردة للإسفلت ومنها مثلاً الخرسانة الإسمنتية التي يضاف لها أربع طبقات من مادة طلاء مبردة للأسفلت، وتشير بعض الدراسات إلى سلبيات الطريقة من تبييض طبقات الأسفلت في الطرق منها الإبهار المنعكس من اللون الأبيض ومنها قلة ديمومة الأرضيات وتآكلها السريع ومنها التكلفة المرتفعة لهذه المعالجات ومنها أيضاً ارتفاع كلفة هذه الطرق، وفي كل الأحوال ما زال الموضوع تحت التجربة وقد نكتشف أن المزايا أعلى فنستمر فيها أو يتغير توجهنا حسب نتائج الدراسات والتجارب الحالية”.
إجراء بيئي مفيد
وقال استاذ الكيمياء المشارك جامعة أم القرى مكة المكرمة د. فهد عبد الكريم تركستاني، إن طلاء أسفلت الشوارع باللون الأبيض بدلاً من الأسود إجراءً بيئيًا مفيدًا في عدة نواحي، خاصة بعد تجربة طلاء شارع في موسم الحج الماضي، وتساءل لماذا لا يتم تطبيقه في معظم شوارع المدن لتقليل تأثير الجزر الحراري، وتحسين جودة الهواء، والحد من الظروف الحرجة للطقس، والحفاظ على البيئة المائية، وتحسين الرؤية الليلية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من تأثير التغير المناخي، وزيادة عمر الطرق، وتحسين جودة الهواء، وتقليل الانعكاس الحراري، وتقليل التأثيرات الحرارية على المباني.
د فهد تركستاني
وأضاف: “بالإضافة إلى الفوائد البيئية والاقتصادية، يمكن أن يكون لهذا الإجراء أيضًا تأثيرات صحية إيجابية، مثل تقليل حوادث الحرارة الشديدة والتعرض للأشعة فوق البنفسجية”.
وقال المهندس محمد الخباز، خبير في هندسة الطرق: ”لقد أثبتت الدراسات أن صبغ الشوارع باللون الأبيض يمكن أن يُقلل من درجة حرارة سطح الطريق بما يصل إلى 10 درجات مئوية، ما يُساهم بشكل كبير في خفض حرارة الهواء المحيط”.
وأضاف:” بالإضافة إلى ذلك، فإن صبغ الشوارع باللون الأبيض أو الأزرق أو الأحمر يُساهم في تحسين الرؤية على الطرق، خاصة في الليل، ما يُقلل من مخاطر الحوادث المرورية”، مشيرًا إلى أن صبغ الطرق يُساهم بشكل فعّال في خفض درجات الحرارة، خاصة في المناطق المفتوحة المُعرّضة لأشعة الشمس المباشرة.
وتابع: ”أظهرت الدراسات انخفاضًا ملحوظًا في درجات حرارة سطح الطريق بعد طلائها باللون الأبيض، مما يُقلل من حرارة الهواء المحيط ويُخفف من حدة حرارة الجو، ويمكن أن ينخفض سطح الطريق بمقدار 7 إلى 10 درجات مئوية بعد طلائه بالألوان”.
وأوضح أنّ ”ذلك يُساهم في خفض استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الهواء”.
الأرصفة الباردة
لفت إلى تجربة استخدام ما يعرف بـ «الأرصفة الباردة»، وهي عبارة عن عدة مواد لها القدرة على امتصاص كميات أقل من الأشعة الشمسية، من خلال قدرة هذه المادة على عكس الأشعة، ومن ثم تكون درجة حرارة سطحها أقل من الأرصفة التقليدية، وتتناسب هذه المادة مع الطرق المحيطة بالمناطق السكنية. لافتا إلى انها تهدف لخفض درجة الحرارة في الأحياء والمناطق السكنية، وتقليل الطاقة المستخدمة في تبريد المباني وتقليل آثار تغير المناخ، ما يسهم في توفير بيئة أكثر راحة في مناطق الانتظار، والمناطق التي يتجمع فيها الناس.
أعرب العديد من المواطنين عن ترحيبهم بتطبيق تقنية صبغ الشوارع بالألوان، معتبرين أنها ستُساهم في تحسين جودة حياتهم خلال فصل الصيف الحار.
وقال المواطن علي الأحمد: “أعاني من ارتفاع حرارة الطرق خلال فصل الصيف، خاصة عند القيادة أو المشي، وأعتقد أن صبغ الشوارع بالألوان سيُساهم في تخفيف حدة هذه المشكلة”.
وفي المقابل، قالت فاطمة أحمد: “أخشى من أن يؤدي صبغ الشوارع باللون الأبيض مثلا إلى انعكاس أشعة الشمس على المباني، مما يزيد من حرارة المنازل ويُقلل من كفاءة أنظمة التكييف”، وطرحت حلا بديلة لصبغ الشوارع باللون الأبيض، مثل استخدام مواد عاكسة للحرارة تُضاف إلى خلطات الإسفلت.
وقالت: “تُعدّ المواد العاكسة للحرارة بديلًا فعّالًا لصبغ الشوارع باللون الأبيض، حيث تُساهم في عكس أشعة الشمس دون التأثير على البيئة”.
اكتشاف المزيد من موقع UZ
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.